قصة بنت المهد المنبوذة
غيبوبة في قلبي… وصحيت
السلام عليكم... أنا ندى. عمري اليوم 23 سنة، أدرس إدارة أعمال، حياتي ظاهريًا عادية، بس اللي ما يعرفه كثير… إني بنت انولدت من رحم الألم.
قصتي ما تبدأ فيني، تبدأ من أمي.
أمي كانت أول بنت تنولد بعد ولدين في عائلة متوسطة، بسيطة، هادية. ما كانت تحلم بشي غير إنها تكمل دراستها وتصير دكتورة أطفال، لأنها من صغرها تعشق الأطفال، تقول دايمًا "البراءة تطمن القلب".
وفعلاً، درست طب، وتخصصت في طب الأطفال، وكانت من الناس اللي إذا دخلت أي مكان… حبّوها، لأن قلبها طيب، ولسانها ما يعرف إلا الحنية.
أما أبوي... فكان مدلّل. أصغر واحد من بين سبع، ومتعود على كلمة "تم". عاش مرتاح، لا يشيل هم ولا يعرف شو يعني كلمة "رفض". درس إدارة أعمال، وكان عنده نظرة تجارية بالحياة.
اللي صار... إن جدّي (أبو أبوي) راح عزيمة زواج معزوم فيها من جدّي (أبو أمي). وهناك، شاف أمي، وأُعجب فيها، وقرر يخطبها لأبوي… بدون ما يرجع له، بدون ما يبلّغ أهله، بدون ما يعطيه حتى خيار.
طلب من أبو أمي يزوجها لأبوه، وأبو أمي قال: خلني أرجع أسأل البنت وأمها، ما نقرر لحالنا.
وفي نفس الوقت، جدّي أبو أبوي رجع وقال لأبوي: "أنا خطبت لك، واستعد للزواج."
أبوي؟ رفض. قال لا، ما أبغاها، أنا ما قررت. بس جدي رفض حتى يسمع له، وحطه تحت الأمر الواقع. والزواج تم… رغمًا عنه، ورغمًا عنها.
يوم تمّت الخطبة، ثم الملكة في نفس اليوم، ما حد كان مصدق إن هالشي بيصير بهالسرعة. محدّ فاهم ليه، لكن الكل ساكت.
بعد الزواج، انتقلت أمي مع أبوي لمدينتهم. توقعت بداية حياة، حب، اهتمام… بس اللي صار كان شي ثاني.
من أول يوم، أبوي كان يعاملها بجفاف، برود، بقسوة، و... ضرب.
أمي استغربت. حاولت تفهم، سألت، لفّت كل البيت... لا أحد عطاها إجابة. سكتت، استحملت، بس بعد أسبوعين، ما قدرت تتحمل أكثر. اتصلت بأهلها، قالت لهم: "من أول ليلة، هو مو طبيعي… يضربني، يتجاهلني، كأني مو موجودة."
هنا تدخل جدي (أبو أمي)، وواجه جدّي (أبو أبوي)، واعترف الأخير إنه أجبر ولده على الزواج. وقتها، أبو أمي قال كلمته: "بنتي ما تعيش مع واحد ما يبيها."
وأخذها. وأبوي؟ ما قال شيء… حتى ما حاول يمنعهم.
رجعت أمي لأهلها، بكسر في قلبها، وأبوي بدأت حياته تنهار.
جده، اللي أجبره على الزواج، صار يعاقبه... طرده من البيت، سحب السيارة، طرده من الشغل، حرمه من المصروف… صار من مدلّل إلى معدوم.
بدأ يتنقل بين شغل وشغل، سواق شاحنة، حمّال، ميكانيكي… وكل مرة ينطرد. كان مكسور، مذلول، حاقد يمكن، بس الأكيد إنه ما كان مبسوط.
بعد سنة، رجع لأبوه، قال له: "سامحني… برجع، بس علّمني وش تبيني أسوي؟"
وقال له: "رجّع زوجتك… وارضَها."
وفعلاً، راح لأمي… بس جدي (أبو أمي) استقبله كضيف، مو كزوج بنته.
أمي رفضت، ما كانت تبغى ترجع له. بس أبويا ما استسلم. جلس ثلاث شهور يراقبها… من الدوام للبيت، كل جمعة يرسل هدية مع أطفال الحارة. سلسلة، خاتم… أي شيء.
وفي يوم، أمي رقّ قلبها… بس قالت له: "برجع، بشروطي!"
شغلي ما حد يمنعني عنه
بيت مستقل
مهر وزواج جديد
وافق… وتم الزواج في سنة 1992 من جديد. بدوا بداية جديدة.
أول سنة؟ كان بارد، جاف، بس مو عنيف. أمي بصبرها، بحنانها، كسرت بروده، وخلاه يتغير. صار يحبها، صار يحترمها، وفتح مكتب صغير، وبدأت حياتهم تستقر.
لكن بعد سنتين... أمي ما حملت.
أبوي قرر ياخذ عمرة… وهناك، تعرّف على شخص، صارت بينهم علاقة، وقرر يزوّج بنته. وبعدها، رجع… متغيّر.
ما حد يعرف السبب، بس أمي حست، وحاولت تتجاهل. بعد شهرين، راح عمرة مره ثانية، وجلس شهرين... وتزوّج هناك! تزوّج سرًا! والسبب؟ "أبغى أولاد… أمي ما حملت!"
خمس سنين، وأمي تتعالج… وأبوي جاب من زوجته الثانية ثلاثة أطفال: ولد، وبعدين توأم أولاد! 😔
وفي 2001… ربي أراد، وأمي حملت! وكانت الفرحة عند الكل… إلا أبوي.
عرف إنها بنت… وقال لها: "سقطي الجنين. أنا ما أبغى بنات!"
تخيل؟ بعد كل هالانتظار، ما فرح، بالعكس… كسر فرحتها.
أمي انهارت، ورجعت لأهلها، والحمل صار معقّد. نزفت كثير، وولدتني بعملية، وجلسَت بالمستشفى شهر كامل... وأبوي؟ ولا سأل عنها!
وماتت أمي... وأنا رضيعة. 💔
وأبوي؟ ما حضر جنازتها.
جدتي وخالتي احتضنوني، وربّوني خمس سنين، وأنا أحسب خالتي أمي. ما حسّوني بيوم إني ناقصة، كانوا كل شيء لي.
جدي (أبو أمي) كان كل شهر يجمع لي فلوسي، وجمعها بخزنة، وبنى لي بيت بأرض أمي.
بس لما مات… رجع أبوي، وقال: "أبغاها تعيش معي".
رفضت، بس وافقت بشرط أرجع وقت ما أبي.
ورحت... ويا ليتني ما رحت.
زوجته كانت تعاملني كأني شغّالة. تصارخ، تسب، ما تحترم، حتى مرة صحّيت من النوم على مويه باردة!!
أبوي؟ واقف يتفرج، ساكت.
رجعت عند خوالي… كملت دراستي عن بعد، اشتغلت بشركة أبوي… وسارت الأمور.
لكن فجأة، حادث يصير لأبوي!
كان رايح لزواج، ووقع عليه حادث غريب… واتضح بعدها إنه "مدبّر"!
المصيبة؟ إن ولده (أخوي) هو اللي دبّر كل شيء مع محامي أبوي… عشان الفلوس.
كانوا ناوين عليه يموت بهدوء، بدون لاحد يعرف. بس أنا، من أول لحظة شفت الوضع، حسّيت إن فيه شي غلط.
سفّرته مع خالي بإخلاء طبي، فتحنا تحقيق جديد، وطلعت المكالمات كلها تثبت تورط أخوي والمحامي.
المصيبة الأكبر؟ إن زوجة أبوي كانت تعرف… وساكتة، بل ومشاركة.
رفعنا عليهم قضايا، انسحبت رخصهم، وانحبسوا كلهم.
والله ما أرتحت إلا لما شفت العدالة تتحقق.
وصحى أبوي، وعرف كل شيء… طلق زوجته، وسكن معي، وصار أخيرًا "أبوي".
واليوم؟ أنا مخطوبة لشخص يعاملني كأني أميرة…
ما عوّضني عن أمي، بس علّمني إن في ناس تستاهل نثق فيها.
بعد ما صحى أبوي من الغيبوبة، أول أسبوع كان بين الحياة والموت... لكن الحمد لله قام، وبدأ يستوعب اللي صار.
ما كان يتكلم كثير بالبداية، بس كانت نظراته تقول كل شيء. كان يشوفني وأبكي، بس يحاول يثبت إنه قوي، مع إنه مكسور من جواته. تخيلوا، أول ما قال لي:
"أنا آسف"...
ما قدرت أرد عليه، بس دموعي نزلت، وكأني انتظرت هالكلمة طول عمري.
خالي جلس معاه وقال له كل التفاصيل… كيف أولاده، كيف زوجته، كيف كانوا ناويين يخلونه يموت ببطء عشان فلوس؟
كل شيء.
وأبوي؟ كانت صدمته كبيرة، بس عيونه كان فيها قرار.
رجع معنا للبيت، وكل يوم كان يصير أقرب مني… كأني أعيش لأول مرة مع “أبوي الحقيقي”.
وفي يوم، أخذ قرار ما كنت أتوقعه أبدًا...
طلّق زوجته.
وقال لي:
"إذا أنا انحرمت من أمك، ما راح أخليك تعيشين نفس الظلم، ولا راح أسمح أحد يعاملك بنص احترام!"
أول مرة أحس إن أبوي واقف معي فعلاً.
رجعنا نعيد ترتيب الحياة، سكنت معاه، بدأت أشتغل رسمي في شركته، درست عن بعد وخلصت البكالوريوس، وصار عندي كيان.
وصار عندي احترام… وصار عندي سند.
وفي يوم، بعد كل اللي صار، تقدم لي شخص.
مو أي شخص… شخص يعرف قصتي، وكان متابعها من بعيد. إنسان عرف عني من حفل توقيع، وتواصل معي، وكأنه جاء لي عشان يرمم الباقي من قلبي.
تقدم لي، وكتبنا الكتاب…
وكان كتب الكتاب ثالث أيام العيد. يااااه، يوم ما أنساه. الكل كان يضحك، يبكي، يفرح، يبوس راسي، كأنهم كلهم كانوا ينتظرون ليوم أعيش فيه فرحة حقيقية بدون وجع.
💍 الحمد لله، اليوم أنا مخطوبة، وربي عوّضني خير.
📣 رسالة أخيرة مني أنا "ندى":
لو كل العالم ضدك، الله معك، لا تيأس.
لو أهلك خذلوك، وناسك طعنوك… الله ما ينسى عبده.
أنا مو بس "بنت منبوذة"،
أنا "بنت طلعت من وجع، وصنعت مجد".
أمي ما ماتت عبث… أمي أنجبتني، وأنا حملت اسمها، وإرثها، وصبرها، وقوتها.
وأبوي؟ صحى… وجا اليوم اللي حسيت فيه فعلاً إنه أب، مو شخص غريب.
💌 النهاية؟
هي بداية.
أنا ندى، واليوم صرت إنسانة جديدة… مستعدة أبدأ فصل جديد من حياتي، وأنا بكامل قوتي.